درس فقه السيرة: الغايات والمقاصد للجذع المشترك
تحميل درس فقه السيرة: الغايات والمقاصد للجذع المشترك 2021 PDF
مدخل الاقتداء «فقه السيرة: الغايات والمقاصد» (في رحاب التربية الإسلامية)
وضعية الانطلاق:
لقد كثر الانحراف وكثرت المظاهر الخداعة، وأصبح الناس لا يفرقون بين الحق والباطل، وأصبح أغلب الناس يتخذون قدوة لأنفسهم من مشاهير الناس الذين لا تتوفر فيهم أوصاف القدوة الحسنة!!!
- فيا ترى ما هي القدوة الحسنة؟
- وما هي الصفات العليا للقدوة؟
- ومن هو الشخص الذي علينا لزاما الاقتداء به؟
- وما علاقة السيرة النبوية بذلك؟
النصوص المؤطرة للدرس:
النص الأول:
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
[سورة القلم، الآية: 4]
النص الثاني:
سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ».
[صحيح مسلم]
قراءة النصوص ودراستها:
I – توثيق النصوص والتعريف بها:
1 – التعريف بسورة القلم:
سورة القلم: مكية، وعدد آياتها 52 آية، ترتيبها 68 في المصحف الشريف، نزلت بعد “سورة العلق”، سميت بهذا الاسم لأن الله سبحانه وتعالى أقسم فيها بأداة الكتابة وهي القلم، ففضلت السورة بهذا الاسم تعظيما للقلم، وسميت أيضا “سورة نون والقلم” و”سورة القلم”، وقد تناولت هذه السورة ثلاثة مواضيع أساسية، هي: موضوع الرسالة والشبه التي أثارها كفار مكة حول دعوة النبي ﷺ، وقصة أصحاب البستان لبيان نتيجة الكفر بنعم الله تعالى، والآخرة وأهوالها وشدائدها وما أعد الله للفريقين المسلمين والمجرمين، ولكن المحور الذي تدور حوله السورة الكريمة هو موضوع إثبات نبوة محمد ﷺ.
2 – التعريف بعائشة رضي الله عنها:
عائشة رضي الله عنها: هي عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق أبي بكر رضي الله عنهما، إحدى زوجات النبي ﷺ، ولدت في السنة الرابعة بعد البعثة، تزوجها الرسول ﷺ وهي صغيرة السن، روت أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ، وخاصة ما يتعلق بحياة الرسول ﷺ الشخصية، كانت من أفقه الصحابة وأعلمهم بالأحكام، توفيت رضي الله عنها سنة 58 هـ.
3 – التعريف بالإمام مسلم:
الإمام مسلم: هو أبو الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري، ولد سنة 206 هـ بنيسابور، رحل من أجل طلب العلم وهو صغير إلى عدة بلدان، منها: الحجاز، الشام، مصر …، درس على يد شيخه البخاري، له عدة مؤلفات، منها: العلل، أوهام المحدثين، طبقات التابعين، ويصنف كتابه «صحيح مسلم» في الدرجة الثانية بعد صحيح البخاري، ويشتمل على أربعة آلاف حديث، توفي بنيسابور سنة 261 هـ.
II – نشاط الفهم وشرح المفردات:
1 – شرح المفردات والعبارات:
- وإنك لعلى خلق: على أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به.
- كان خلقه القرآن: والمقصود بذلك التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها.
2 – مضامين النصوص الأساسية:
- ثناء الله تبارك وتعالى على أخلاق نبيه ﷺ ووصفه بأنه على خلق عظيم.
- استقامة وتأدب النبي ﷺ بأخلاق القرآن الكريم.
تحليل محاور الدرس ومناقشتها:
I – مفهوم السيرة النبوية وأهميتها:
1 – مفهوم السيرة النبوية:
السيرة النبوية: هي حياة عملية وواقعية عاشها الرسول ﷺ تتضمن أحداث ووقائع ثابتة بروايات صحيحة، سواء مع أهله وأبنائه وأحفاده أو مع قومه وأصحابه أو مع غيره من ذوي الشرائع السماوية السابقة، من قبل ولادته إلى ما بعد وفاته ﷺ.
2 – أهمية السيرة النبوية:
يمكن أن نجمل أهم مزايا السيرة النبوية فيما يلي:
- أنها أصح سيرة لتاريخ نبي مرسل، فقد نقلت إلينا بأسانيد صحيحة متواترة، نعتقد بها إلى درجة اليقين والقطع، بعيدة كل البعد عن الشك والخرافة والتحريف، شأن سير الرسل أصحاب الديانات المنتشرة في العالم.
- السيرة النبوية تقدم لنا سيرة إنسان أكرمه الله بالرسالة، ولم يضف لنفسه صفة الألوهية فهو معصوم، لكن يسري عليه ما يسري على الناس بمقتضى طبيعته البشرية، بل هو القدوة الحسنة في الحياة، نجد فيه المثل الأعلى في كل شؤون الحياة من خلال الاقتداء به في تصرفاته ومواقفه مع الأحداث التي مرت به.
- السيرة هي تطبيق كامل لما جاء في القرآن الكريم وتنزيله على أرض الواقع، فهي خير معين على فهمه بما يتضمنه من هداية وإرشاد على مستوى الأخلاق والعبادات والعقيدة.
- سيرة الرسول ﷺ شاملة لجميع نواحي الحياة، وهي المفتاح الأساس للمربي والمعلم والداعية والقائد والأب والزوج والصديق والسياسي …
3 – مراجع السيرة:
يمكن حصر المصادر الأساسية المعتمدة للسيرة في أربعة مصادر:
- القرآن الكريم: فقد تعرض القرآن الكريم لمراحل حياته ﷺ، كنشأته يتيما، كما أثنى عليه ثناءا عظيما، وخصه بمنزلة كبيرة حيث قارن طاعته ﷺ بطاعة الله: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾، كما تحدث القرآن عن بعض الفتوحات والمعاهدات والمعارك التي خاضها الرسول ﷺ.
- كتب السنة النبوية: فقد سجلت كتب أئمة الحديث ومن أهمها: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبو داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجة، وموطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، أروع الأمثلة عن كرمه وإحسانه وتعاونه وصبره وحلمه ومساعدته للفقراء …، وغيرها من الفضائل التي أمرنا أن نقتدي بها.
- كتب السيرة والتاريخ: التي جمعت أخبار وأحداث النبي ﷺ، ونقلها التابعون ودونوها في صحائف عندهم، إلى أن ظهرت الكتب الخاصة بالسيرة والتاريخ والطبقات أطلق عليها اسم “أدب السير والتراجم” كسيرة ابن هشام، طبقات ابن سعد، وتاريخ الطبري. وهي نوعان: نوع إخباري: يعرض الكاتب أخبار الأعلام دون تحليل وتفصيل. ونوع تحليلي تفسيري: يعرض الأخبار بالتحليل والتفسير واستخلاص العبر.
- الشعر العربي المعاصر لعهد الرسالة: كبعض الأشعار التي تضمنت حقائق كثيرة عن البيئة التي كان يعيش فيها عليه السلام، وبعض القصائد التي نضمت للدفاع عن الإسلام وعن الرسول ﷺ، مثل: شعر حسان ابن ثابت، وعبد الله ابن رواحة، وأبي بن كعب.
II – خصائص السيرة النبوية والغايات من دراستها:
1 – خصائص السيرة النبوية:
تتميز السيرة النبوية العطرة بالعديد من الخصائص التي تجعل النفس تشعر بالثقة والأمان والطمأنينة أثناء دراستها، وتقدم نموذجا مهما للعلماء، ومن أهم خصائصها:
- صحتها: السيرة النبوية هي أصح سيرة وتاريخ لنبي ورسول، لأنها مؤيدة بالقرآن الكريم الذي ذكر الكثير من أحداثها، كما تم نقلها على يد الصحابة والتابعين بالتواتر، والذين نقلوا أحداثها الثابتة بكل أمانة، كما أن أحداثها تتسم بالمنطقية والموضوعية.
- وضوحها: أي إن أحداثها مفصلة ودقيقة ومشروحة وواضحة ليس فيها غموض أو انقطاع في تسلسل الأحداث، بل تم ذكرها بالتفصيل منذ ولادته عليه الصلاة والسلام وحتى التحاقه بالرفيق الأعلى، كما وضّحت فيها شخصية النبي عليه الصلاة والسلام بشكلٍ تام.
- العملية والواقعية: أي إنه رغم ما فيها من معجزات وتأييد بالوحي والكثير من الفتوحات والانتصارات، إلا أن أحداثها كانت منطقية، لم تُخرج الرسول عليه الصلاة والسلام من بشريته وإنسانيته، ولم تُظهره بمظهر الأساطير أو هالة التقديس كما ورد في سير بعض الأنبياء الآخرين التي تم نقلها بيد كتاب كتبوا على أهوائهم.
- شموليتها: أي إنها تضم كل نواحي الحياة وتشملها، من علاقات اجتماعية وإنسانية، وتفاصيل الزواج والطلاق، والميراث، والمعاملات التجارية، ومعاهدات النبي ﷺ مع أعدائه، والجانب العسكري في شخصيته، وغيرها.
2 – الغايات والمقاصد من دراسة السيرة النبوية:
للسيرة النبوية فوائد وغايات جمة، من أهمها:
- فهم شخصية الرسول ﷺ من خلال حياته وظروفه، وأخذ الدروس والعبر التي تضيء للمسلم الطريق وتورث محبته والقرب منه.
- السيرة النبوية العطرة خير معين على فهم الأصل الأول “القرآن الكريم ”، حيث تساعد على حسن فهم معاني الآيات وتذوق روحها وإدراك مقاصدها وأسباب نزول بعضها.
- السيرة النبوية تقدم للمسلم القدوة الحسنة في الحياة، من خلال الوقوف والإقتداء بمواقف الرسول ﷺ، وكيفية مواجهته وحسن تصرفه مع الأحداث التي مرت به، قال تعالى: ﴿لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾. سورة الأحزاب، الآية: 21.
- إتباع سيرة الرسول ﷺ من مقتضيات الإيمان، ذلك أن الإيمان بالله والرسول ينبغي أن يتبلور في الإتباع العملي الكامل لرسول الله ﷺ فيما يبلغه عن ربه وفيما يشرعه ويسنه.
- تعميق معرفة المسلم بدينه من خلال الثروة الفقهية المستنبطة من سيرة الرسول ﷺ، وبالتالي إكسابهم المناعة ضد كل أمراض الانحراف العقدي والسلوكي، ومواجهة كل أشكال الغلو والتطرف والعنف والإقصاء.
- من هنا كانت دراسة السيرة مهمة لسائر فئات المجتمع ذكورا وإناثا حتى يقفوا على مظاهر الإقتداء به، ويكون لهم شرف التأسي به، وبذلك يحوزون القبول والرضا من الله عز وجل، ويكتب لهم شرف الخلود مع رسول الله ﷺ في جنات النعيم.